ان قرار الرئيس السابق بالتخلي عن سلطاته للمجلس الأعلي للقوات المسلحة فرض واقعاً دستورياً وقانونياً جديداً فالواقع الجديد يشير بأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو الحاكم الفعلي للبلاد الأن، وهذا الواقع الجديد لا يستند لثمه نص بالدستور المصري الحالي سواء فى نص المادة 82 او 84 منه، فرأس النظام البائد لم يستخدم أي من تلك النصوص فى الإعلان عن خلو منصب الرئيس أو استقالته ولم يتم اتهام الرئيس بالخيانة العظمي وفقا للآليات الدستورية للدستور الحالي..
ومن ثم فاننا أمام واقع دستوري وقانوني جديد، وهو الأمر الذي يعنى أننا أمام وقف عملي للعمل بالدستور الحالي، ومن ثم علينا الاستباق بوضع تصور دستوري وقانوني خارج إطار الدستور الحالي.
اننا نعتقد بأن خيار ثورة 25 يناير كان دوماً هو اسقاط النظام البائد بكل مؤسساته التى طالما قامت بنهب أموال الشعب وشاركت فى عمليه ممنهجة فى التنكيل به، فلقد أثبت الشعب المصري من خلال ثورته الحالية على تصميمه على إسقاط النظام الحاكم وتطلعه لنظام حكم مدني ديمقراطي ولم تكن مطالبة جماهير شعبنا برحيل رأس النظام – مبارك – وتنحيه سوى رمزية لهذه الرغبة والتصميم، ولم تفلح محاولات النظام وحاشيته المتعددة والمتلاحقة بالالتفاف حول هذه الإرادة سواء بالإعلان عن القيام بتعديلات لبعض مواد الدستور الحالي، أو القيام بإجراءات شكلية في تركيبة النخبة الحاكمة التى ثارت عليها الجماهير المصرية.
فلم يعد أحد يجادل بأن شرعية النظام الحاكم قد سقطت منذ 25 يناير 2011 ونعتقد بأن الدولة المصرية بحاجة إلى شرعية جديدة وهي شرعية ثورة 25 يناير، والتى تحتاج لإعلان مبادئ دستورية تعبر عن رغبة الشعب المصري في تطلعه لنظام حكم ديمقراطي مدني.
انني أعتقد بأن أمامنا فرصة تاريخية لإعلان دستوري من قلب الثورة يتم فرضه من قبل الشعب المصري ويؤسس لشرعية جديدة للدولة المصرية، على أن يتضمن هذا الإعلان الدستوري المبادئ التي قامت عليها ثورة 25 يناير، وأهمها احترام حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية، ومحاسبة النظام السابق على جرائمه خلال الثلاثين سنة الماضية في محاكمة عادلة.
ان الشعب المصري الذي لم تتح له فرصة عبر تاريخه العريق أن يقوم بنفسه بصياغة شرعية سياسية للحكم، يستطيع الآن أن يقوم بالإعلان بالأصالة عن نفسه عن الشرعية السياسية الجديدة للدولة المصرية.
ان الخطوات المقترحة للإعلان الدستوري يجب أن يتضمن عددا من الخطوات لاستقرار النظام المدني الديمقراطي وهي:
أولاً: جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد
وهي الجهة المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد يتضمن المبادئ الرئيسية لثورة 25 يناير والتى سيشملها الإعلان الدستوري، ويجب أن يراعي في تشكيل تلك الجمعية التنوع الثقافي والديني والسياسي والنوعي الذي يمتاز به المجتمع المصري.
ثانياً: تشكيل هيئة للمحاسبة والعدالة
وتقوم تلك الهيئة بتلقي البلاغات والشكاوي المتعلقة بالنظام السياسي السابق منذ عام 1981 وحتى الأن سواء المتعلقة بجرائم نهب أموال الشعب أو جرائم التعذيب أو القتل خارج اطار القانون، والمعتقلين،على أن تقوم تلك الهيئة بإعداد ملفات لمجرمي النظام وفقا للأصول القانونية الإجرائية المتبعة وتسترشد في عملها باتفاقيات ومواثيق حقوق الإنسان الدولية وبالاستعانة بمنظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية المعنية، على أن تنتهي مهمة هذه الهيئة بمحاكمة مسئولي النظام الحاكم السياسيين والتنفيذيين لمحاكمة تتوافر فيها ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، بما يضمن أيضا عدم إفلات مسئولي النظام البائد وعلى رأسهم مبارك من الافلات من العقاب.
ثالثاً: حل مجلسي الشعب والشورى والدعوة للانتخابات
يتم حل مجلسي الشعب والشورى و الدعوة لإنتخابات لمجلسي الشعب والشوري وتأتي هذه الخطوة بعد إقرار الدستور الجديد من خلال استفتاء شعبي وبعد اطلاق الحق في التنظيم والحق في إنشاء الأحزاب السياسية، ومن ثم يتم الدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية جديدة تتم بإشراف قضائي كامل وبقواعد إجرائية تضمن التنوع السياسي والديني والثقافي الذي يذخر به المجتمع المصري، وبما يضمن مشاركة النساء فى هذه العملية.
رابعاً: تشكيل هيئة لتعويض الشهداء والمصابين والمضارين
وتتولي هذه الهيئة حصر المستحقين للتعويضات سواء من الشهداء والمصابين والمضارين أثناء ثورة 25 يناير من أعمال نهب وسلب وعنف قام بها ميلشيات النظام البائد.
دور القوات المسلحة المصرية
تتولي القوات المسلحة المصرية من خلال المجلس الأعلي للقوات المسلحة تأمين الإعلان الدستوري المقترح وضمان تنفيذ ما ورد به من خطوات وإجراءات بما يضمن عدم تورطها فى العمل السياسي المباشر وعودتها لمهمتها الأساسية وهي حماية الوطن من التهديد الخارجي ومن ثم ضمان حياة سياسية مدنية كما تطالب جماهير الشعب المصري فى ثورته المجيدة.
ولضمان مصداقية أي دور للقوات المسلحة عليها التوقف وفوراً عن إحاله المدنيين للمحاكمات العسكرية حتى ولو كانوا من المتهمين بجرائم تتعلق بالنهب والسلب خلال ثورة 25 يناير وإحالتهم لقاضيهم الطبيعي، كما عليها الإعلان عن أسماء المحتجزين فى أماكن الاحتجاز التى تسيطر عليها وأسباب احتجازهم، والتوقف عن أي أعمال تعذيب أو استعمال قسوة ضد المواطنين المصريين والتحقيق فوراً فى شكاوي المطلق سراحهم من معسكرات القوات المسلحة.
مجلس رئاسي لإدارة البلاد والإشراف على الانتقال السلمي للسلطة
لضمان تنفيذ تلك الخطوات والإجراءات يجب أن تكون هناك جهة تملك القوة ولديها المصداقية لدى صفوف الشعب وهو ما يمكن أن يلعبه مجلس رئاسي يتكون من المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومن يختاره الشباب الثوار لضمان الحفاظ على مكتسبات الثورة ، وأمام هذا المجلس خيارين إما أن يقوم مباشرة بتنظيم هذه العملية أو تشكيل حكومة تكنوقراط تتولى هذه المهمة تحت إشراف المجلس الرئاسي، من خلال جدول زمني معلن وشفاف.
ان ما تحقق خلال حوالي خمسة عشر يوماً يحتاج شهوراً وربما سنوات لحماية مكتسبات الثورة وتضحيات الشهداء وشباب مصر،ان مصر الثورة تحتاج إلى دولة ديمقراطية تدار بمؤسسات تحترم القانون وحقوق الإنسان.
أحمد راغب
محامي ومدير تنفيذي لمركز هشام مبارك للقانون
11 فبراير 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق